العصر الكربوني : التركيب الضوئي والتنفس
رغم وجود الغلاف النباتي الذي غطى في العشرة ملايين سنة الماضية سطح الأرض بكثافة، إللا أن نسبة الأوكسجين في الغلاف الجوي لم تتجاوز 21%. والسبب في هذا هو عملية التركيب الضوئي وما يقابلها من عمليات التنفس التي تعمل بنفس المواد الأساسية ولكن باتجاهين متعاكسين. فالتركيب الضوئي يأخذ فيه النبات الأخضر ثاني أوكسيد الكربون والهيدروجين من الجو وضوء الشمس ليحوله إلى طاقة كيميائية عبر الصباغ الأخضر الوراثي المشهور (الكلوروفيل). ويكون ناتج الإطراح هو الأوكسجين. في حين أن التنفس يكون حتى بغياب ضوء الشمس فيتم سحب الأوكسجين من الهواء وأكسدة كل من الكربون والهيدروجين من خلاله، للحصول على نتائج يتم طرحها إلى الهواء هي ثنائي أوكسيد الكربون وبخار الماء (كقطرات الندى المتجمعة صباحاً على أوراق النبات الأخضر).
وتَعاكس هاتين العمليتين له ارتباط غير مرئي في الطبيعة ولكنه ارتباطٌ حتمي بين نسب الكربون والأوكسجين. وزيادة أو نقصان نسبة كل منهما في الجو، سيؤثر بالتالي على الحياة على الأرض ومدى تعقيدها. وهو ما يفسر ازدهار الحياة على الأرض قبل نحو 550 مليون عام عندما وصلت نسبة الأوكسجين إلى 20% بعد أن كانت منخفضة. وندعوا تلك الحقبة بـ(الانفجار الكامبري) بسبب الأنواع الكثيرة والحياة المزدهرة التي ظهرت في العصر الكامبري عندها، ونستطيع الاستدلال على ذلك من خلال السجل الأحفوري للأحافير التي عُثر عليها العائدة لذاك الزمن.
ولعله من الأمور الهامة التي من خلالها نستطيع معرفة مقدار الترابط بين نسبة الأوكسجين في الجو ونوعية الحياة الأرضية وأحجامها هو لو عدنا في السجل الأحفوري إلى نحو 300 مليون عام. وهو العصر المعروف بـ(العصر الكربوني)، المثير للدهشة هو ما تراه في أحجام الكائنات الحية التي عاشت عندها. تجد اليعسوب العملاق والحشرات الضخمة والزواحف البرية التي يزيد طولها عن المتر أو المترين كانت تجوب الأرض في ذاك الوقت. بالأضافة إلى النباتات العالية والضخمة أيضاً.
ولعله من الأمور الهامة التي من خلالها نستطيع معرفة مقدار الترابط بين نسبة الأوكسجين في الجو ونوعية الحياة الأرضية وأحجامها هو لو عدنا في السجل الأحفوري إلى نحو 300 مليون عام. وهو العصر المعروف بـ(العصر الكربوني)، المثير للدهشة هو ما تراه في أحجام الكائنات الحية التي عاشت عندها. تجد اليعسوب العملاق والحشرات الضخمة والزواحف البرية التي يزيد طولها عن المتر أو المترين كانت تجوب الأرض في ذاك الوقت. بالأضافة إلى النباتات العالية والضخمة أيضاً.
ولمعرفة السبب كان علينا معرفة الأجواء المحيطة بتلك الكائنات. والتفسير هو: الترسب الكربوني الذي حصل في قيعان التجمعات المائية والتي باتت تدعى في الأوساط العلمية (المستنقعات الكربونية). مما أثر الأمر على نسبة الكربون في الجو مقارنة مع نسبة الأوكسجين التي بقيت أكبر من المعتاد فقد وصلت لـ 30% في الهواء. وأدت هذه الزيادة في منسوب الأوكسجين الجوي إلى الحصول على كائنات تستفيد من التلامس الهوائي لجلودها مما دفعها الانتخاب الطبيعي إلى زيادة مساحات هذا التلامس الهوائي، وهو سبب ضخامة أحجامها.
ولا ريب في توقع حصول عصر كربوني جديد نتيجة تكاثف غاز ثنائي أوكسيد الكربون وعودة تناقص غاز الأوكسجين الذي يعطي بدوره أمطار حامضية تكشط الكثير من الحياة النباتية، وتُحللها إلى كربون عضوي مترسب في الأنهار والبحار وعودة نهوض قوية لمستويات الأوكسجين في الجو. ولكن الأمر هذه المرة ستدفع ثمنه البشرية بوجودها ربما. لأن البشر قد تطوروا وتكيفوا على نسبة كثافة 21% من الأوكسجين فقط. وخلل توازن كبير كهذا ستكون نتائجه كارثية بالنسبة لنا ـ ولغيرنا من الكائنات الحية الحالية.
أمر جدير بالذكر كهذا، يجعلنا فعلاً نتأمل مدى ارتباط الحياة البيولوجية بالطبيعة، ومدى قدرة الطبيعة على التلاعب بالحياة وأشكالها وتعقيداتها. فالحياة هي الأنشوطة المَرنة التي تتجاوب مع كل التغيرات والضغوط البيئية من حولها في سبيل الكفاح لبقائها.
الصور: لحفريات أحياء من العصر الكربوني تعود لـ 300 مليون عام. وهي لأكبر حشرة طائرة في التاريخ (اليعسوب Meganeura monyi) ويبلغ طول جناحيه معاً 70 سنتيمتر. ولأكبر حيوان لا فقاري هو (كثيرة الأرجل Arthropleura armata) التي قد يصل طولها حتى 280 سنتيمتر. ومعهما صور لنماذج هاذين الكائنين لمقارنة الحجم.
تعليقات
إرسال تعليق