الديناميكا الحرارية أو الثرموديناميك

 التطور والقانون الثاني للترموديناميك.


الترموديناميك هو العلم المختص بالحرارة وكيفية انتقالها من جسمٍ لآخر، وكيف يكتسب الجسم حرارة عند التسخين وكيف يخسر حرارة عند التبريد. ونحن نستخدم الترموديناميك على المستوى اليومي في حياتنا العادية عند تجميد المواد الغذئية أو تبريدها في البرادات. أو عند الطهي والتسخين. كما أننا عند ممارسة الرياضة والحركات الزائدة، نخسر طاقة على شكلِ حرارة. مما يؤدي إلى فعل منعكَس هو إفراز الجلد للعرق، من أجل تبريد نفسه.

في الشتاء حيث تنخفض درجات الحرارة، يكون الجو المحيط بنا بارداً مما يجعله يمتص حرارة أجسامنا. فنخسر نحن الحرارة ونصاب بنوبات البرد فنلجأ إلى مولدات الحرارة كالمدافئ والسخانات لتعويض هذا النقص الحراري في أجسامنا. وفي الصيف حيث يكون المحيط ساخناً، يحدث العكس، وتمتص أجسامنا الأقل حرارةً، الحرارة من المحيط بشكلٍ تلقائي. فنضطر إلى تبريد أجسامنا كي نتخلص من الحرارة الزائدة التي فيها.

إن علاقة هذا الأمر بالتطور وتقدم الحياة وتدرجها إلى الأشكال الأكثر تعقيداً ابتداءً من اشكال أو جزيئات ضئيلة، يستخدمه بعض معارضو التطور البيولوجي للحياة، كأداة نقدٍ حادة.

وما يستخدمونه هنا هو المبدأ الثاني للترموديناميك كحجة يعتبرونها قوية، قادرة على دحض التطور من جذوره. والقانون الثاني للترموديناميك يقول: ( إن أي جسم يفقد الطاقة دائماً على شكلِ حرارة). وبالتالي، يقول الخلقيون، إنه لمِن المستحيل تكوين حياة معقدة من جزيئات بسيطة حتى ولو تركتها ملايين السنين. لأنها ببساطة لن تشرع بالتفاعل مع بعضها، فهي ستكون دائمة الخسارة للطاقة. الامر الذي يترتب عليه خمول دائم وعدم قدرة على التفاعل دون فعلِ فاعل.

في الحقيقة، يقف الشخص لحظاتٍ في التفكير في هذه الحجة وأنها فعلاً قادرة على مجابهة حقيقة التطور. ولكن لو أننا فهمنا ما تعنيه البيئة الأرضية لأدركنا مدى سذاجة هذا النقد.

لو أننا وضعنا كمية من الطين المعقم في الفضاء البعيد عن الشمس، وانتظرنا ملايين السنين، فإنها بالتأكيد لن تشرع هكذا بالتفاعل. بل على العكس، سوف تفقد الحرارة بشكل مستمر إلى المحيط الخارجي البارد وستتجمد.

ولكن الأرض ليست هكذا، فالأرضُ هي كوكبٌ يجابه الشمس، هذا النجم الذي يشع حرارة وضوء منذ قرابة 5 مليار عام. الأرض ككل الأجسام تفقد الحرارة، ولكنها دائمة الحصول على الحرارة من نجمها الذي تدور حوله (الشمس).
ولعله من المفيد الذكر أيضاً أن كل نجم في الكون يمتلك منطقة محيطة به تدعى (المنطقة القابلة للسكن واستقبال الحياة Habitable zone) وعرض هذه المنطقة يتراوح بحسب استطاعة النجم تقديم الحرارة والطاقة. والشمس يبلغ عَرض منطقتها القابلة للسكن (62 مليون كيلومتر). أي أنها تمتد من منتصف المسافة بين مدار الأرض والزهرة ...حتى مدار كوكب المريخ تقريباً. والأرض تقع في هذه المنطقة، وفي حركتها السنوية حول الشمس لا تشغل سوى منطقة عَرضها 5 مليون كيلومتر منها (أي أنها تشغل في حركتها السنوية 8% فقط من المنطقة القابلة للسكن). ولو تحركت في الـ62 مليون كيلومتر تلك، فإن الحياة عليها ستمتلك لا تزال، الطاقة اللازمة للتشكل والتطور.
كما أن الأمر لا يقتصر على الشمس، رغم انها المورد الأول للطاقة على الأرض. فهنالك الحرارة الباطنية للأرض، والبراكين الناجمة عنها خير مثال على تلك الطاقة الهائلة. وأيضاً المداخن الكربونية والكبريتية الموجودة حتى الآن في قيعان المحيطات وفي كثير من مناطق اليابسة، وكانت تكثر في العهود الأولى للأرض. وحركة الأرض حول نفسها التي تؤدي لحركة الرياح والأمواج على سطحها. وكل هذه وغيرها هي مصادر طاقة. هي مصادر دائمة وموجودة على الأرض. وسيكون عندها من الطبيعي أن تجد تلك التفاعلات الكيميائية طريقها لإعطاء المركبات البيولوجية (المركبات التي يدخل فيها عنصر الكربون). وسوف تتلقى هذه المركبات بدورها الطاقة اللازمة وبشكلٍ وفير كي تكمل تفاعلاتها. وإعطاء مركبات أكثر وأكثر تعقيداً.

إذن مشكلة الطاقة في تشكل الحياة على الأرض ليست بالمعضلة الكبيرة، لأننا نعيش على كوكب تحيط به مصادر الطاقة من كل جنبٍ وصوب. كوكبٌ غنيٌ بمصادرِ الطاقةِ الطبيعية.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مفهوم العائق الابستمولوجي

أسرار عيون الحبار

الضباع hyaenas